الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال المنذري: ذهب قوم إلى قتل الحيات أجمع في الصحراء والبيوت في المدينة وغيرها ولم يستثنوا نوعاً ولا جنساً ولا موضعاً تمسكاً بهذا الحديث. وقال قوم إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه، وقال قوم تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها فلا يقتلن لخبر فيه، فإن بدين - أي ظهرن - بعد الإنذار قتلهن، وقال مالك يقتل ما وجد منها بالمساجد، وقال قوم لا تنذر إلا حيات المدينة فقط، ويقتل ما عداها مطلقاً، وقال قوم [ص 59] يقتل الأبتر ذو الطفيتين بغير إنذار بالمدينة وغيرها. قال: ولكل من هذه الأقوال وجه قوي ودليل ظاهر. - (د) في الأدب (ن) في الجهاد (عن ابن مسعود) عبد اللّه (طب عن جرير) بن عبد اللّه (وعن عثمان بن أبي العاص) الثقفي استعمله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الطائف، مات سنة إحدى وخمسين. وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وقال المنذري: رواته ثقات، لكن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مسعود لم يسمع من أبيه. 1325 - (اقتلوا) وجوباً (الحيات) بسائر أنواعها حتى في الحرم وحال الإحرام (اقتلوا ذا الطفيتين) تثنية طفية بضم الطاء المهملة وسكون الفاء: ما بظهره خطان أسودان وقيل: أبيضان. والطفية في الأصل خوصة المقل، فشبه الخطين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل (والأبتر) الذي يشبه مقطوع الذنب لقصر ذنبه (فإنهما يطمسان) يعميان (البصر) أي بصر الناظر إليهما أو من نهشته، والطمس استئصال أثر الشيء، وفي رواية لمسلم بدل يطمسان يلتمسان: أي يطلبان يعني يخطفان (ويسقطان) كذا رأيته في نسخ، والذي وقفت عليه في الصحيحين ويستسقطان بسينين ونص على هذين مع دخولهما في الحيات اهتماماً بقتلهما لكونهما يطمسان ويسقطان، أو لأن الشيطان لا يتمثل بهما قالوا ومن الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع نظره على إنسان مات فوراً وآخر إذا سمع صوته مات وذكروا في خواص بعض الأفعى أن الجنين يسقط عند موافقة النظرين (الحبل) أي الحمل عند نظر الحامل إليهما بالخاصية لبعض الأشخاص جعل ما يفعلانه بالخاصية كالذي يفعلانه بقصد وفي رواية لمسلم الحبالى بدل الحبل - (حم ق د ت ه عن ابن عمر) بن الخطاب قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب، يقول اقتلوا الحيات و الكلاب. إلى آخر ما هنا. هكذا ذكر الكلاب في صحيح مسلم، وفي رواية للشيخين قال عبد اللّه بينا أنا طارد حية لأقتلها فناداني لا تقتلها فقلت رسول اللّه أمر بقتل الحيات. قال نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت وهي العوامر. 1326 - (اقتلوا الوزغ) بفتح الواو والزاي معروف سمي به لخفته وسرعة حركته (ولو) كان (في جوف الكعبة) لأنه من الحشرات المؤذيات ولاستقذاره ونفرة الطبع عنه ولما قيل أنه يسقي الحيات ويمج في الإناء. وفي البخاري في باب - (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي فيه عمرو بن قيس المكي وهو ضعيف. [ص 60] 1327 - (اقتلوا شيوخ المشركين) أي الرجال الأقوياء أهل النجدة والبأس ولم يرد الهرم الذي لا قوة له ولا رأي فإن فرض بقاء الرأي قتل لأن ضرر رأيه أشد من ضرر مقاتلته وعلى خلافه يحمل حديث أنس لا تقتلوا شيخاً فانياً (واستبقوا) وفي رواية واستحيوا (شرخهم) أي المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم جمع شارخ بشين وخاء معجمتين كصحب أو مصدر نعت به ومعناه بدو الشباب ونضرته، فيستوي فيه الواحد والجمع كالصوم والعدل وإطلاق الحديث شامل للراهب فيقتل وإن لم يقاتل وعليه الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك، لا ويحرم قتل الصبيان وكذا النساء إذا لم يقاتلوا بل يسبيهم الإمام ويسترقهم. - (حم ه ت) في الجهاد (عن سمرة) بن جندب، قال الترمذي حسن صحيح غريب. 1328 - (اقرأ القرآن على كل حال) قائماً وقاعداً وراقداً وماشياً وغيرها (إلا وأنت جنب) أي أو حائض أو نفساء بالأولى فإنك لا تقرأ وأنت كذلك فتحرم قراءتك شيئاً منه وأنت كذلك بقصدها، قال الغزالي: فيه إشارة إلى طلب استغراق الأوقات بالقرآن، فإنك إذا وفيت القراءة ولزمتها وجدت لذة المناجاة واستأنست بكلام اللّه واستوحشت من كلام الخلق، كان موسى إذا رجع من المناجاة استوحش من الناس ويجعل إصبعيه في أذنيه لئلا يسمع كلامهم وكأن كلامهم عنده في ذلك الوقت كأصوات الحمير وعليه قال شيخنا: اتخذ اللّه صاحباً * وذر الناس جانباً - (أبو الحسن بن صخر في فوائده) الحديثية (عن علي) أمير المؤمنين: قال في المطامح: غريب ضعيف. 1329 - (اقرأ القرآن) اسم علم خاص بكلام اللّه (في كل شهر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة جزءاً من ثلاثين (اقرأه في) كل (عشرين ليلة) في كل يوم وليلة ثلاثة أحزاب (اقرأه في عشر) بأن تقرأ في كل يوم وليلة ستة أحزاب (اقرأه في سبع) أي في كل أسبوع (ولا تزد على ذلك) فإن قارئه ينبغي أن يتفكر في معانيه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وتدبر ذلك لا يحصل في أقل من أسبوع: وأنى به؟ ومن ثم رأى جمع قراءته في الأسبوع من الورد الحسن. قال في الأذكار: وهذا فعل الأكثر من السلف. قال الدماميني: ولهذا الحديث منع كثير من العلماء الزيادة على السبع. اهـ واختار النووي اختلاف القدر باختلاف الأشخاص بالنسبة لسريع الفهم وغيره قال فمن كان من ذوي الفهم وتدقيق الفكر يندب له الاقتصار على القدر الذي لا يخل به المقصود من التدبر واستنباط المعاني، وكذا من له شغل بعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يندب له الاقتصار على قدر لا يخل بما هو فيه، ومن يكن كذلك فالأولى له الإكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة. اهـ. وإنما اختلفت الأحاديث لأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كان يأمر كل إنسان بما يناسب حاله. المراد بالقرآن هنا كله، ولا يعارضه أن القصة وقعت قبل موت المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بمدة، وذلك قبل نزول بعض القرآن الذي تأخر نزوله، لأنه العبرة بما دل عليه الإطلاق. ذكره ابن حجر وغيره. - (ق د عن ابن عمر) بن الخطاب قال قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن؟ قلت بلى ولم أرد به إلا الخير، قال فصم صوم داود فإنه كان أعبد الناس واقرأ القرآن في كل شهر. قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: اقرأه في كل عشرين، قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه في كل عشر قلت: أطيق أفضل من ذلك قال: فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك، قال ابن عمر فشددت فشدّ عليّ. [ص 61] 1230 - (اقرأ القرآن في كل أربعين ليلة) ليكون حصة كل يوم نحو مائتي وخمسين آية، وذلك لأن تأخيره أكثر منها يعرضه للنسيان والتهاون به، وقد عهد ورد الأربعين أشياء كثيرة كخلق النطفة لأربعين فعلقة فمضغة لمثلها وبين النفختين أربعين ومكث آدم في طينته وميعاد موسى وسلطان الدجال وغالب النفاس وتمام الرباط وبلوغ الأشد إلى غير ذلك، إلا أن قراءته في أربعين: مدة الضعفاء ثم يرتقي الحال بسبب القوة إلى ثلاث. - (ت عن ابن عمرو) بن العاص وحسنه. 1332 - (اقرأ القرآن في ثلاث) أي بأن تقرأ في كل يوم وليلة ثلثه (إن استطعت) قراءته في الثلاث مع ترتيل وتدبر، وإلا فاقرأه في أكثر، ومن ثم قال ابن مسعود: من قرأه في أقل من ثلاث فهو راجز، وكره ذلك معاذ. وقال القسطلاني: وأخبرني شيخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف أنه كان يقرأ خمسة عشر ختمة في اليوم والليلة. وفي الإرشاد أنه النجم الأصبهاني رأى رجلاً من اليمن ختم في شوط أو أسبوع وهذا لا يتسهل إلا بفيض رباني ومدد رحمني. اهـ. وأخبرني بعض الثقات أن شيخنا العارف عبد الوهاب الشعراني ختم بين المغرب والعشاء ختمتين، ثم رأيته ذكر في كتاب الأخلاق ما نصه ومنها عمل أحدهم على تحصيل مقام غلبة الروحانية على الجسمانية حتى يصير يقرأ في اليوم والليلة كذا وكذا ختماً ويقرأ مع من غلبت روحانيته على جسمانيته، فلا يتخلف عنه، ويحتاج صاحب هذا المقام إلى ورع شديد وطاعة كثيرة ليحصل له تلطيف الكشائف وإلا فلا يقدر يستعجل في القراءة مع من ذكر بل يصير كأنه يسحب صخراً على الأرض خلف طائر فمن فهم هذا عرف سر أمره تعالى للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم بترتيل القرآن، فإن روحانيته تغلب جسمانيته، فإذا قرأ لا يلحقه أحد لانطواء الألفاظ في نطق الأرواح وأخبر الشيخ علي المرصفي أنه قرأ في أيام سلوكه في يوم وليلة ثلاث مئة ألف ختم وستين ألف ختم، كل درجة ألف ختم اهـ. ومن على هذا المقام شيخنا شيخ الإسلام زكريا، فكان إذا قرأنا معه لا نلحقه، وكذا الشيخ نور الدين الشوني لغلبة روحانيتهما على جسمانيتهما. إلى هنا كلامه. - (حم طب عن سعد بن المنذر) له صحبة، وهو أنصاري عقبي بدري، كان يقرأ القرآن في ثلاث. 1331 - (اقرأ القرآن في خمس) أخذ به جمع من السلف، فاستحبوا الختم في كل خمس، ومنهم علقمة بن قيس، ولو تعارض الإسراع والترتيل روعي الترتيل عند الجمهور. قال ابن حجر: والتحقيق أن لكل منهما جهة فضل بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكنات الواجبات. ولا يمنع أن يفضل أحدهما الآخر، وأن يستويا فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة ثمينة، ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمتها قيمة الواحدة، وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الأخريات، وقد يكون بالعكس. - (طب عن ابن عمرو) بن العاص رمز المصنف لضعفه. 1333 - (اقرأ القرآن ما نهاك) عن المعصية وأمرك بالطاعة: أي ما دمت مؤتمراً بأمره منتهياً بنهيه ورجزه (فـ) إنك (إذا لم ينهك فلست) في الحقيقة (بقارئ) وفي نسخ فلست تقرأه أي لإعراضك عن متابعته فلم تظفر بفوائده وعوائده فيعود حجة عليك أو خصماً غدا فقراءته بدون ذلك لقلقة لسان بل جارة إلى النيران، إذ من لم ينته بنهيه وينزجر بزجره فقد جعله وراء ظهره، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة، فلا بد لقارئه من الاهتمام بامتثال أوامره ونواهيه وكما أن أمور الدنيا لا تحصل إلا بقدر عزائمهم فأمر الأخرى لا يحصل إلا بأشد [ص 62] عزيمة وأجمع شكيمة فلا يقرأه من لم يقبل عليه بكليته ظاهره ويجمع اهتمامه به بكليته باطنه سئل جدي شيخ الإسلام يحيى المناوي رحمه اللّه: هل الاهتزاز في القرآن مكروه أو خلاف الأولى؟ فأجاب بأنه في غير الصلاة غير مكروه ولكن خلاف الأولى، ومحله إذا لم يغلب الحال واحتاج إلى نحو النفي في الذكر إلى جهة اليمين والإثبات إلى جهة القلب، وأما في الصلاة فمكروه إذا قل من غير حاجة. وينهى إذا كثر أن يكون كتحريك الحنك كثيراً من غير أكل وأن الصلاة تبطل به واللّه أعلم انتهى بنصه. - (فر) وكذا القضاعي (عن ابن عمرو) بن العاص. قال الزين العراقي: وسنده ضعيف وظاهره أنه لم يره لأقدم من الديلمي ولا أحق بالعزو إليه منه وهو عجب، فقد خرجه أبو نعيم والطبراني وعنهما أورده الديلمي مصرحاً فإهماله لذينك واقتصاره على ذا غير سديد، ثم إن فيه إسماعيل بن عياش. قال الذهبي في الضعفاء ليس بقوي عن عبد العزيز بن عبد اللّه. قال الذهبي روى عنه ابن عياش فقط، وقد قال الدارقطني متروك عن شهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج به. 1334 - (اقرأ المعوذات) الفلق والناس ذهاباً إلى أن أفل الجمع اثنان أو والإخلاص تغليباً (في دبر) بضم الدال والموحدة (كل صلاة) من الخمس، فيه ندب قراءتها بعد التسليم من كل صلاة لأنه لم يتعوذ بمثلها. فإذا تعوذ المصلي بها كان في حراستها حتى تأتي صلاة أخرى. - (د حب عن عقبة بن عامر) وصححه ابن حبان، ورواه عنه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه، فما أوهمه صنيع المصنف من تفرد أبي داود به من بين الستة غير جيد. 1335 - (اقرأ القرآن بالحزن) بالتحريك: أي بترقيق الصوت والتخشغ والتباكي، وذلك إنما ينشأ عن تأمل قوارعه وزواجره ووعده ووعيده فيخشى العذاب ويرجو الرحمة. قال الشافعي رضي اللّه تعالى عنه في مختصر المزني: وأحب أن يقرأ حدراً وتحزيناً. اهـ. قال أهل اللغة: حدرها درجها وعدم تمطيطها وقرأ فلان تحزيناً إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد، قال ابن حجر: حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها شبه الرثاء ولا شك أن لذلك تأثيراً في رقة القلب وإجراء الدمع (فإنه نزل بالحزن) أي نزل ناعياً على الكافرين شناعة صفتهم وسماجة حالتهم وبلوغهم الغاية القصوى في اللجاج في الطغيان واستشرابهم في الضلال والبهتان وقولهم على اللّه ما لا يعلمونه ولا يليق به من الهذيان ونيط بذلك الإنذار والوعيد بعذاب عظيم، وأول ما نزل من القرآن آية الإنذار عند جمع وهي أفاد هذا التقرير أنه ليس المراد بقراءته بالحزن ما اصطلح الناس عليه في هذه الأزمان من قراءته بالأنغام فإنه مذموم، وقد شدد بعض العارفين النكير على فاعله وقال إن حضرة الحق جل وعلا حضرة هيبة وبهت وتعظيم فلا يناسبها إلا الخشوع والخضوع والدعوة من شدة الهيبة كما يعرفه من دخل حضرة الحق تعالى فإنه يرى ثم كل [ص 63] ملك لو وضع قدمه في الأرض ما وسعته ولو بلغ السماوات والأرض في بطنه لنزلت من حلقه ومع ذلك فهو يرعد من هيبة اللّه تعالى كالقصبة في الريح العاصف: فسبحان من حجبنا عن شهود كمال عظمته رحمة بنا، فإنه لو كشف لنا عن عظمة ما فوق طاقتنا لاضمحلت أبداننا وذابت عظامنا، ولو استحضر القارىء عظمة ربه حال قراءته ما استطاع أن يفعل ذلك. - (ع طس حل عن بريدة) قال الهيثمي: فيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف. اهـ. وفي الميزان قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وفي اللسان ضعفه البزار أقول فيه أيضاً غون بن عمرو أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال ابن معين لا شيء، وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إلى جبر ضعفه، فمن خرجه العقيلي في الضعفاء وابن مردويه في تفسيره وغيرهم. 1336 - (اقرأوا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي مادامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه: أي اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب، أو المعنى اقرؤوا ما دمتم متفقين في قراءته وتدبر معانيه وأسراره، وإذا اختلفتم في فهم معانيه فدعوه لأن الاختلاف يؤدي إلى الجدال، والجدال يؤدي إلى الجحد وتلبيس الحق بالباطل. قال الزمخشري. قال ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد لباب الاجتهاد، وإطفاء لنور العلم وصد عما تواطأت العقول والآثار الصحيحة على ارتضائه والحث عليه ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلاً له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز، ومن ثم تكاثرت الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل: إلى هنا كلامه. وبه يعرف أنه لا اتجاه لزعم تخصيص إلهي بزمن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لئلا ينزل ما يسوؤهم. - (حم ق ن عن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وتضم وهو ابن عبد اللّه البجلي ثم العقبي بفتحتين ثم قال له صحبة ومات بعد الستين ورواه مسلم والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ. 1337 - (اقرأوا القرآن فإنه) أي القرآن (يأتي يوم القيامة شفيعاً) أي شافعاً (لأصحابه) بأن يتصور بصورة يراها الناس كما يجعل اللّه لأعمال العباد صورة ووزناً لتوضع في الميزان فليعتقد المؤمن هذا وشبهه بإيمانه لأنه لا مجال للعقل فيه (اقرؤوا الزهراوين) أي النيرتين. سميتا به لكثرة نور الأحكام الشرعية وكثرة أسماء اللّه تعالى فيهما أو لهديتهما قارئهما أو لما يكون له من النور بسببها يوم القيامة، والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو المضيء الشديد بالضوء (البقرة وآل عمران) أوقعه بدلاً منهما مبالغة في الكشف والبيان كما تقول هل أدلك على الأكرم الأفضل؟ فلان فإنه أبلغ من أدلك على زيد الأكرم الأفضل لذكره أولاً مجملاً ثم ثانياً مفصلاً، وكما جعل علماً في الكرم والفضل جعلا علماً في الإنارة، وفيه جواز قول سورة كذا ورد على من كرهه فقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا (فإنهما يأتيان) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما (يوم القيامة) قال النووي: أطلق اسمهما على هذا الذي يأتي يوم القيامة استعارة على عادة العرب في ذلك (كأنهما غمامتان) أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك اليوم المهول (أو غيابتان) مثنى غيابة بمثناة تحتية وهي ما أظل الإنسان. قال القاضي: ولعله أراد ما يكون له صفاء وضوء: إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس (أو كأنهما فرقان) بكسر فسكون أي قطيعان وجماعتان (من طير) أي طائفتان منهما (صواف) باسطات أجنحتها [ص 64] متصلاً بعضها ببعض جمع صافة وهي الجماعة الواقعة على الصف وليست أو للشك كما وهم ولا للتخيير في تشبيه الصورتين كما ظن، ولا للترديد من بعض الرواة كما قيل لاتساق الروايات كلها على هذا المنهاج بل هي كما قاله البيضاوي وبعض أئمة الشافعية للتنويع وتقسيم أحوال القارئين فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما والثاني للجامع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى، والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان حقائقهما وكشف ما فيهما من الرموز والحقائق واللطائف عليهم وإحياء القلوب الجامدة وتهييج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أمواج العرفان والبيقين. ذكره القاضي. وقال الطيبي: إذا تفاوتت المشبهات لزم تفاوت المشبه في التظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة، إذ الأول عام في كل أحد، والثاني يختص بمثل الملوك والثالث الرفع كما كان لسليمان عليه السلام (تحاجان) تدافعان الجحيم أو الزبانية. وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه. (اقرأوا سورة البقرة) قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص، عم أولاً بقوله اقرأوا القرآن وعلق به الشفاعة ثم خص الزهراوين وعلق بهما التخصيص من كرب يوم القيامة والمحاجة، وأفرد ثالثاً البقرة وعلق بها المعاني الثلاثة الآتية تنبيهاً على أن لكل مهنما خاصية لا يعرفها إلا صاحب الشرع (فإن أخذها) يعني المواظبة على تلاوتها والعمل بها بركة: أي زيادة ونماء (وتركها حسرة) أي تأسف على ما فات من الثواب (ولا تستطيعها البطلة) بفتح الباء والطاء: السحرة: تسمية لهم باسم فعلهم لأن ما يأتون به باطل، وإنما لم يقدروا على قراءتها لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل. وقيل البطالة أهل البطالة الذين لم يؤهلوا لذلك ولم يوفقوا له أي لا يستطيعون قراءة ألفاظها وتدبر معانيها لبطالتهم وكسلهم، أو المراد سحرة البيان من قوله إن من البيان لسحراً أي أنهم لا يستطيعونها من حيث التحدي فأتوا بسورة من مثله وتمسك به من زعم أن القرآن مخلوق، قالوا لأن ما كان غمامة يكون مخلوقاً، ورد بأنه جهل إذ القرآن غير جسم فتعين أن المراد بقوله كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة وهذا لا غبار عليه.
|